صرت زلمي، متل بيّي

 فوق تختي ع اليمين في برداية بيضا، كل يوم الصبح ، قبل ما يجي أبو ريمون ، كانت إمّي تفيّقني بالشمس، تفتح البرداية وتجي الشمس عليّي، فيق ع مهلي، إنزعج من الشمس مش من إمّي. تحت تختي في شنطة سفر كبيرة، أخدتها معي لما سافرت إدرس بفرنسا  زمان ، بعدني مرّات بخاف منها، بسمع إنّ الولاد الأجانب بخافوا من الوحوش تحت التخت، نحن منخاف من شنط السفر، الوحوش مش موجودة غير بالقصص، بس الشنط بتاكل القصص


أول مرّة اشتريت صبّاط رسمي كنت بالرابع، كان عنّا حفلة آخر السنة وبالرقصة لازم نلبس قميص وصبّاط رسمي. بذكر وقتها فقت لحالي، قبل الوقت وقبل الشمس، كنت ناطر إلبس الصباط بلكي بصير زلمي متل بيّي. كان المسرح مليان، كل الأهالي معزومين، كنت كتير مبسوط بالرقصة، طول الوقت عيوني ع أهلي، كانوا بآخر القاعة بس أقرب من الكل. خلصت الرقصة وركضت صوب إمّي، غمرتني وقالتلي يقبرني أجمل شب بالمدرسة. فجأة بيركض لعندي رفيقي، كان منيح بس سئيل شوي، قلّي انت كنت لابس الصباط بالمقلوب، وصار يضحك. ما بنسى هيديك اللحظة، اتطلعت بالصبّاط لقيته فعلا بالمقلوب، مدري من التوتر مدري من الحماس، بس للي بعرفه إني صرت إبكي، حسيت القاعة كلها ضحكت عليي والدنيا صغرت كتير، صارت أصغر من قميص رسمي قياس عشرين. الظاهر مش جاهز صير زلمي، مش قد الصباط والقميص الرسمي، مش جاهز صير بيّيي


لما صرت بالثانوية كنت منزوي شوي، كنت فكر كتير وبلشت أشرد. كل ليلة أطلع ع سطح بيتنا، إمشي وأشرد بالنجوم. ما كان كتير يفرق معي البرد، إلبس الجاكيت الحمرا واطلع. وقتها بلشت فتش ع الله، اسأل رفقاتي عنه بالنهار وبالليل احكي معه. صرت اسئله اسألوا عن ستي له ماتت ؟ انت للي اخترت او هي للي اختارت؟ سألته عن العدالة الاجتماعية، ليه ابن الفقير فقير وابن الغني غني؟ ليه بيّي مش قادر يدفع قسطي؟ مين الفاشل؟ بيّي أو المجتمع؟ 


عجقة كلمات كبيرة براسي، كل كلمة أكبر من التانية وأنا كنت صغير. بذكر مرة سألت الله عن الجمال، شو يعني جمال؟ ليه في ناس حلوين وناس لاء؟ وقتها كانت السما حلوة، صفنت بالنجوم ونسيت حالي. يمكن هيدا هوي الجمال، لما ما نعود نتذكر نسأل. وقتها السما كانت بتشبه وجّك، إنت للي ما كنت ناوي جيب سيرتك اليوم، بس كل شي عم يذكّرني فيكِ، إنت للي كنت جمّعلك نجوم بجيوب الجاكيت الحمرا، كرمال ضوّيلك السما لما تعتّم الدنيا بوجّك. وقتها الله ما جاوبني، زعلت منه للأمانة، بس بعدين لما شفتك عرفت إنّ جاوبني فيكِ. الظاهر في تعريف للجمال، ويمكن في عدالة حتى لو مش اجتماعية، وأكيد في الله…


بيّي ما كان فاشل، حاول كتير بحياته، بس مش ضروري كل للي بحاول يوصل. لما كنت بالجامعة بيّي فتح محلّ، كان محل صغير بلحازميه . بذكر وقتها كنت قاعد بالبيت، إمّي وبيّي قاعدين ع البرندا، بسمعن عم يحكوا عن الموضوع. قلّها بيّي إنّ خيفان لأن حط كلّ للي معه، بتجاوبه بس نحن رح نبقى معك… كنا كلنا نطلع ع المحل، كان صغير بس يساعنا كلنا، كان عندي كنزة رمادية عاملها للشغل، كل ما تتوسّخ شوي تغسلّي ياها إمّي، متل الشتا إمي، بتغسل الدنيا وما بتتعب. مش كتير مشي حاله المحل، مرق بفترة منيحة بس مع الوقت صار يضعف، وأبشع مرحلة لما تحس الإشيا عم تخلص، بتحس في زعل بالجو بس بلا حكي. الكنزة الرمادية ما عاد كتير تتوسّخ، وإمّي ارتاحت من الغسيل…


إمّي، تحت تختي ما في شي، لأن الشنطة صارت مليانة، فيها صباط رسمي صغير وكنزة رمادية كتير نضيفة، وفي جاكيت حمرا جيوبها فاضية، رح خلي النجوم معك، إذا مرقت صوبك وشفتي الدنيا معتمة عندها، ازرعيلها السما نجوم، وغمريها منيح، صدقيني ما في أحلى من غمرتها.


فوق تختي ع اليمين في برداية بيضا، تركيها اليوم مسكرة، قولي أبو ريمون إني اليوم مش رايح ع المدرسة، زعبي الشمس من عيوني، تركيني نام بعد شوي، لأن هيدي آخر مرة بنام فيها ع تختي…


من بكرا أنا رايح، رح فتش ع حالي ببلد جديد، رح اشتاق للضيعة والمحل والسطح، رح إزعل ويمكن إبكي، بس ما تهكلي همي، كبرت وصرت إعرف إلبس صباط رسمي، صرت زلمي، متل بيّي….




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنا من أُبالغ وأفرط في الحب دائمًا

رسالة إلى ابنتي التي لم تأتي بعد

اعزائى البؤساء